إن الأزهر الشريف منارةٌ يُقتدى بها، وملاذٌ يلجأ إليه المتعلمون، يغترفون من بحره، وينهلون من معينه، ولقد أمدَّ العالَم على ممرِّ العصور بكوكبة من العلماء العاملين، والجهابذة المفسِّرين، وقد درسوا فيه كتباً من مختلف العلوم والفنون، وهذه الكتب هي التي صقلت تلك الشخصيات العبقرية.
وإن خير من يعبر عن هذه المناهج الأزهرية الدكتور الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف في مقدمته الرائعة للكتاب حيث قال: (لقد توقَّفتُ قليلاً وعن قَصدٍ أمام هذا المَعلَمِ البارزِ من معالـمِ المنهج الأزهري؛ لِأُبيِّنَ للقارئ أنَّ منهج «التَّكوين العلمي الأزهري» منهجٌ تَتمازَجُ فيه ثلاثةُ أنواع منَ العلوم؛ هي: علومُ النَّصِّ، والعقلِ، والذَّوقِ.
ونعني بالنص هنا: القرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة.
وبعلوم النص: العلومَ التي نشأَت حول هذين المصدرين الكريمين المقدسينِ؛ مِنَ التفسير، وعلوم القرآن، والحديث وعلومه، والفقه وأُصوله، وعلوم السيرة، وكُلِّيَّات العقيدة وكُبرَيات مَسائِلها، وكلَّ عِلمٍ يكونُ النص فيه هو الموضوع الَّذي تدورُ عليه مسائلُ هذا العلم، ويستقلُّ الدليل النقلي فيه بإثباتها والاحتجاج عليها.
ويُقصَدُ بعلوم العقل: العلومُ التي يكونُ مأخَذُ البَرهنةِ فيها مِن بَدَهيَّاتِ العقل وأَوَّليَّاته، أو من أدلة نظريةٍ عقليةٍ ترتبطُ في مآلها بأَوَّليَّاتِ العقل بصورةٍ أو بأُخرى؛ وذلك مثلُ «علمِ أُصولِ الدين»، وهو الذي يسمَّى بـ «علمِ الكلامِ» أو «علمِ التوحيدِ» أو «الفقهِ الأكبرِ»، ومثلُ «الفلسفة الإسلاميَّة» بمدارسِها المختلفةِ، ومثلُ «المنطقِ اليونانيِّ» بعد أن طوَّرَهُ المسلمون، وأضافوا إليه كثيراً مما كان ينقُصُه في بيئته الإغريقيَّة.
أمَّا علومُ الذَّوقِ: فالمقصودُ بها: التصوفُ الإسلاميُّ بكل مشاربِهِ الذوقيةِ، وتجاربِهِ الروحية عل| اختلاف وارداتِها وتَجلِّياتها، ومَنهَجُهُ مُختلِفٌ عن منهجِ العلوم الأخرى، ولعلمائِهِ كلامٌ طويلٌ في القلبِ كمحلٍّ للتَّجلِّياتِ وللإلقاءِ الإلهيِّ لا يَحتمِلُهُ هذا المختصرُ، ويُضافُ إليه: «عِلمُ الأخلاقِ» أو «السُّلوكِ»، وهو علمٌ شديد الارتباط بـ «علمِ التَّصوفِ» الذي يقالُ في بعض تعريفاته: إنَّه عِلمُ الأَخلاقِ، وإنَّ مَن زادَ عليك خُلُقاً زادَ تَصَوُّفاً) انتهى.
وهذا الجزء اللطيف جمعنا فيه أسماء تلك المؤلفات التي صنعت أولئك الأعلام؛ ليكون نبراساً ومرجعاً لجميع الهيئات والمعاهد والمدارس الشرعية، وحقّاً إنه لَيُعدُّ بمثابة ومضة برقٍ بل إشراقة نورٍ في ظلام يلفُّ الحياة الفكرية، ونأمل أن يكون نواة لمشروع كبير يضم جلَّ الكتب التي تُكوِّن تلك العقلية العلمية الشرعية المتكاملة.